كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما الأمر الثالث، وهو كونه تعالى لم يكن له شريك في الملك، فقد جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في آخر سورة بني إسرائيل.
{وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ الذل وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] الآية، وقوله تعالى في سورة سبأ: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ} [سبأ: 22] وقوله تعالى: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16] لأن قوله: الواحد القهار يدل على تفرده بالملك، والقهر، واستحقاقت أخلاص العبادة، كما لا يخفى. إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأمر الرابع: وهو أنه تعالى خلق كل شي، فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذلكم الله رَبُّكُمْ لا إله إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فاعبدوه وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 101102] وقوله تعالى: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ} [غافر: 6263] إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأمر الخامس: وهو أنه قدَّر كل شيء خلقه تقديرًا، فقد جاء أيضًا في غير هذا الموضع كقوله تعالى: {الذي خَلَقَ فسوى والذي قَدَّرَ فهدى} [الأعلى: 23] وقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] إلى غير ذلك من الآيات وقال ابن عطية: تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة، والأزمان، والمقادير، والمصلحة، والإتقان. انتهى بواسطة نقل أبي حيان في البحر.
تنبيه:
في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: الخلق في اللغة العربية، معناه التقدير ومنه قول زهير:
ولأنت تفرى ما خلقت وبعض ** القوم يخلق ثم لا يفرى

قال بعضهم: ومنه قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14] قال: أي أحسن المقدرين، وعلى هذا فيكون معنى الآية وخلق كل شيء: أي قدر كل شيء فقدره تقديرًا، وهذا تكرار كما ترى، وقد أجاب الزمخشري عن هذا السؤال، وذكر أبو حيان جوابه في البحر ولم يتعقبه.
والجواب المذكور هو قوله: فإن قلت في الخلق معنى التقدير، فما معنى قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} كأنه قال: وقدر كل شيء فقدره.
قلت: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثًا مراعي فيه التقدير والتسوية فقدره وهيأه لما يصلح له.
مثاله: أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدر المسوى، الذي تراه فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الحيلة المستوية المقدرة بامثلة الحكمة والتدبير، فقدره لأمر ما ومصلحة مطابقًا لما قدر له غير متجاف عنه، أو سمى إحداث الله خلقًا، لأنه لا يحدث شيئًا لحكمته إلا على وجه التقدير غير متفاوت، فإذا قيل: خلق الله كذا، فهو بمنزلة قولك: أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق، فكأنه قيل: وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده لم يوجده متفاوتًا، وقيل: فجعل له غاية ومنتهى، ومعناه: فقدره للبقاء إلى أمد معلوم. انتهى كلام صاحب الكشاف وبعضه له اتجاه. والعلم عند الله تعالى.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الآلهة التي يعبدها المشركون من دونه، متصفة بستة أشياء كل واحد منها برهان قاطع، أن عبادتها مع الله، لا وجه لها بحال، بل هي ظلم متناه، وجهل عظيم، وشرك يخلد به صاحبه في نار جهنم، وهذا بعد أن أثنى على نفسه جل وعلا بالأمور الخمسة المذكورة في الآية التي قبلها التي هي براهين قاطعة، على أن المتصف بها هو المعبود وحده، والأمور الستة التي هي من صفات المعبودات من دون الله:
الأول منها: أنها لا تخلق شيئًا أي لا تقدر على خلق شيء.
والثاني منها: أنها مخلوقة كلها أي خلقها خالق كل شيء.
والثالث: أنها لا تملك لأنفسها ضرًا ولا نفعًا.
الرابع والخامس والسادس: أنها لا تملك موتًا، ولا حياة، ولا نشورًا، أي بعثًا بعد الموت، وهذه الأمور الستة المذكورة في هذه الآية الكريمة، جاءت مبينة في مواضع أخر من كتاب الله تعالى.
أما الأول منها: وهو كون الآلهة المعبودة من دون الله لا تخلق شيئًا، فقد جاء مبينًا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجتمعوا لَهُ} [الحج: 73] الآية. وقوله تعالى: {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 2021] وقوله تعالى في سورة فاطر {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا} [فاطر: 40] وقوله تعالى في سورة لقمان: {هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ بَلِ الظالمون فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [لقمان: 11] وقوله تعالى في الأحقاف: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات ائتوني بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هاذآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4]. وقوله تعالى: {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُدًا} [الكهف: 51] وقد بين تعالى في آيات من كتابه الفرق بين من يخلق، ومن لا يخلق، لأن من يخلق هو المعبود، ومن لا يخلق لا تصح عبادته، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ} [البقرة: 21] الآية. أي وأما من لم يخلقكم، فليس برب، ولا بمعبود لكم كما لا يخفى. وقوله تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17] وقوله تعالى: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الواحد القهار} [الرعد: 16] أي ومن كان كذلك، فهو المعبود وحده جل وعلا وقوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191].
وأما الأمر الثاني منها: وهو كون الآلهة المعبودة من دونه مخلوقة، فقد جاء مبينًا في آيات من كتاب الله كآية النحل والأعراف، المذكورتين آنفًا.
أما الآية النحل فهي قوله تعالى: {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ} [النحل: 20] فقوله: وهم يخلقون صريح في ذلك. وأما الآية الأعراف فهي قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191] إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأمر الثالث منها: وهو كونهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فقد جاء مبينًا أيضًا في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} [الرعد: 16]. وكقوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف: 191192] ومن لا ينصر نفسه فهو لا يملك لها ضرًا ولا نفعًا. وقوله تعالى: {والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ولا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} [الأعراف: 197] وقوله تعالى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 193195] الآية.
وفيها الدلالة الواضحة على أنهم لا يملكون لأنفسهم شيئًا، وقوله تعالى: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 73] الآية إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الرابع والخامس والسادس، من الأمور المذكورة: أعني كونهم لا يملكون موتًا، ولا حياة، ولا نشورًا. فقد جاءت أيضًا مبينة في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {الله الذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40].
فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون، يدل دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبر عنها بخلقكم، والموت المعبر عنه بقوله: ثم يميتكم، والنشور المعبر عنه بقوله: ثم يحييكم، وبين أنهم لا يملكون نشورًا بقوله: {أَمِ اتخذوا آلِهَةً مِّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ} [الأنبياء: 21]، وبين أنهم لا يملكون حياة ولا نشورا في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ فأنى تُؤْفَكُونَ} [يونس: 34] الآية، وبين أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلًا} [آل عمران: 145] وقوله تعالى: {وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَآ} [المنافقون: 11] الآية، وقوله تعالى: {إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح: 4] الآية، وقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}.
[البقرة: 28] الآية، وقوله تعالى: {قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين} [غافر: 11] الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدين.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا} أظهر الأقوال فيه أن المعنى لا يملكون لأنفسهم دفع ضرر ولا جلب نفع. كما قاله القرطبي وغيرهز وغاية ما في هذا التفسير حذف مضاف دل المقام عليه، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب وقد أشار إليه في الخلاصة بقوله:
وما يلي المضاف يأتي خلفًا ** عنه في الإعراب إذا ما حذفًا

وقيل المعنى: لا يقدرون أن يضروا أنفسهم، أو ينفعوها بشيء والأول هو الأظهر: أي وإذا عجزوا عن دفع ضر عن أنفسهم وجلب نفع لها فهم عن الموت والحياة والنشور أعجز، لأن ذلك لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلاَ نُشُورًا} اعلم أن النشور يطلق في العربية إطلاقين:
الأول: أن يكون مصدر نشر الثلاثي المتعدي، تقول: نشر الله الميت ينشره نشرًا ونشورًا.
والثاني: أن يكون مصدر نشر للميت ينشر نشورًا لازمًا، والميت فاعل نشر.
والحاصل: أن في المادة ثلاث لغات الأولى: أنشره رباعيًا بالهمزة ينشره بضم الياء إنشارًا. ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [عبس: 22] وقوله تعالى: {وانظر إِلَى العظام كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة: 259] بضم النون وبالراء المهملة في قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو. وهو مضارع أنشره. والثانية نشر الله الميت ينشره بصيغة الثلاثي المتعدي، والمصدر في هذه اللغة النشر والنشور، ومنه قوله هنا: ولا نشورًا: أي لا يملكون أن ينشروا أحدًا بفتح الياء، وضم الشين الميت لازمًا حيي الميت وعاش بعد موته، وإطلاق النشر والنشور على الإحياء بعد الموت، وإطلاق النشور على الحياة بعد الموت معروف في كلام العرب، ومن إطلاقهم نشر الميت لازمًا فهو ناشر أي عاش بعد الموت قول الأعشى:
لو أسندت ميتًا إلى نحرها ** عاش ولم ينقل إلى قابر

حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجبا للميت الناشر

ومن إطلاق النشور بمعنى الإحياء بعد الموت، مصدر الثلاثي المتعدي. قوله هنا: ولا نشورًا: أي بعثًا بعد الموت، ومن إطلاقهم النشور بمعنى الحياة بعد الموت مصدر الثلاثي اللازم قول الآخر:
إذا قبلتها كرعت بفيها ** كروع العسجدية في الغدير

فيأخذني العناق وبرد فيها ** بموت في عظامي أو فتور

فنحيا تارة ونموت أخرى ** ونخلط ما نموت بالنشور

فقد جعل الغيبوبة من شدة اللذة موتًا، والإفاقة منها نشورًا، أي حياة بعد الموت.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً} حذف فيه أحد المفعولين: أي اتخذوا من دونه أصنامًا آلهة، كقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} [الأنعام: 74] الآية. والآلهة جمع إله، فهو فعال مجموع على أفعلة، لأن الألف التي بعد الهمزة مبدلة من همزة ساكنة هي فاء الكلمة كما قال في الخلاصة:
ومدا أبدل ثاني الهمزين من ** كلمة إن يسكن كآثر وأتمن

والإلة المعبود فهو فعال بمعنى مفعول، وإتيان الفعال بمعنى المفعول جاءت منه أمثلة في اللغة العربية كالإله بمعنى المألوه: أي المعبود، والكتاب بمعنى المكتوب، واللباس بمعنى: الملبوس، والإمام بمعنى المؤتم به. ومعلوم أن المعبود بحق واحد وغيره من المعبودات أسماء الكفار، ما أنزل الله بها من سلطان {وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [يونس: 66]، {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنَزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [النجم: 23] الآية. اهـ.